بيان عمال ضد الطائفية 30 تموز 2022
قبل البدء في التحدث عن الصراع السياسي الذي يجري الان في العراق نود ان نؤكد على ان الفوضى المستمرة في العراق لن تنتهي الا بانتهاء نظام المحاصصة الطائفي في العراق الذي جاء بواسطة الدبابة الامريكية واستمر وتقوى بدعم وتمويل قوى محلية واقليمية, فمنذ نتائج انتخابات العملية السياسية الفاشلة في العراق سنة 2018 وتولي عادل عبد المهدي السلطة وحتى الان يعتبر العراق بدون حكومة فعليه مستقره.
لقد سببت انتفاضة اكتوبر العظمية صدعا كبيرة في بنية النظام الطائفي في العراق ولم يعد للاحزاب الاسلامية القدرة على الاجابة عن التحديات والحاجات التي تواجه المجتمع العراقي في الوقت الحالي مثل ( البطالة, الخدمات العامة, الكهرباء والمياه, السيادة, حصر السلاح بيد الدولة, ازدياد المليشيات, انتشار الامراض, ارتفاع حالات العنف الاسري, قتل النساء, الفساد في مؤسسات الدولة, غياب القانون ..الخ ) وغيرها من المشاكل التي تزداد باستمرار.
لقد اثبت لنا هذا النظام انه عاجز فعليا عن المواصلة لقد وصل الى مرحلة النهاية, فمنذ عشرون سنة من فقدان الامان الاقتصادي والسياسي وغياب الحد الادنى من العيش الكريم, شاركت هذه الاحزاب بتمزيق اي وجود سيادي للدولة العراقية و للانسان العراقي, عن طريق عمليات السرقة والفساد وتوزيع المناصب على اساس طائفي وليس على اساس مهني, بالاضافة الى سرقة اموال النفط لتمويل مشاريع وهمية لا وجود لها على ارض الواقع او لتمويل مليشيات بحجه الدفاع عن المذهب الشيعي مرة في سوريا ومرة في العراق ومرة مع الحرب ضد داعش, ولم تكتفي هذه الاحزاب المصنفه شيعيا او سنيا او الكردية بحد معين بل وصل ببعض الاحزاب المصنفه سنيا الامر سرقة اموال الفقراء والنازحين الذين يعيشون في الصحراء وسرقة اموال “اعادة اعمار المدن المدمرة بسبب داعش” مثل مدينة الموصل.
لم يحاسب هذا النظام الطائفي الى الان المجرمين الذين ساهموا بقل وتهجير ملايين العراقيين اثناء الحرب الطائفية في العراق عام 2005 – 2009 بل قام بمكافئتهم واعطائهم مناصب امنية حيث لهؤلاء المجرمون صلة وثيقة بالاحزاب الطائفية التي تحكم العراق الان والتي بدورها لها صلة مباشرة بعمليات الاجرام والتعذيب والقتل والخطف على اساس طائفي.
لقد اثبت هذا النظام خلال اخر خمس سنوات من عمره انه لا يؤمن بالديمقراطية وليس له ولاء للعراقيين واثبتت هذه العملية السياسية عجزها عن ادارة التحول الديمقراطي او التداول السلمي للسلطة او اجراء اي تعديل على الدستور العراقي الطائفي الذي يعاني من الضبابية بفهم معنى مقالاته.
فبالرغم من الفرص التاريخية الكثيرة التي اتيحت لهذا النظام بان يقود البلاد بشكل سلمي وديمقراطي ويخلق فرص اقتصادية متكافئة وكبيرة لكنه كان في كل مرة يزداد توحشا وطمعا وثراء ويزداد الشعب في المقابل فقرا وحزنا وجوعا وخوفا.
لم يبني هذا النظام منذ 2003 والى الان مصنعا واحد, مستشفى واحده, لم يفتتح مدينة سكنية واحدة, لم يبني جسرا واحدا, لم يدعم الشباب ومشاريعهم الخاصة, ولم يقدم اي خدمات ومشاريعا عامة, بل العكس تماما فلقد سرق البنى التحتية العراقية و دمرالقطاع العام, وعرض العراق تحت رحمة الخصخصة والمشاريع الخاصة التي تديرها شركات تابعه لهذه المليشيات, وبالنتيجة نعيش الان في بلد ريعي لا يصنع ولا يزرع بلا كهرباء وبلا خدمات وبلا اهوار وبلا انهار وبلا امن ولا فرص عمل.
بعد ان وصلت الاحزاب الاسلامية الى طريق مسدود تحاول اليوم تسليح نفسها بمليشياتها المجرمة وتستخدم المال السياسي الذي سرقوه طيلة السنوات السابقة في الدفاع عن نفسها, حيث انهم يعلمون تمام العلم ان هذا النظام غير قابل للاصلاح وان شركائهم السياسيين هم لا يختلفون عنهم في اجرامهم وهم يقعون تحت سيطرة القوى الاقليمية, فبدوا بطرح البدائل التي تقصي الاخرين من منافسيهم وادخلوا العراق وانفسهم في الصراع الجيو سياسي العربي الامريكي من جهة والروسي الايراني الصيني من جهة اخرى.
اليوم يحتدم الصراع بين قوى ومليشيات التيار الصدري الذي هو تيار قومي ديني متطرف متهم بالكثير من الجرائم الطائفية و مشارك في العملية السياسية منذ الاحتلال الامريكي وحتى اللحظة وصاحب الولاء الامريكي العربي, وبين قوى الاطار التنسيقي الذي يضم مليشيات مسلحة ذات الولاء السياسي الايراني الروسي, هذا الصراع هو حول استلام السلطة السياسية في البلاد فقط لا غير.
فبعد انتهاء الانتخابات المبكرة المثيرة للجدل التي جرت مطلع هذا العام وتصدر التيار الصدري نتائج الانتخابات حاولت قوى الاطار التنسيقي تشكيل التحالف الاكبر في داخل البرلمان العراقي من اجل تشكيل الحكومة لكن التيار الصدري بقي مصرا على ان يشكل هو الحكومة باعتباره التيار الفائز في الانتخابات, ولان مشاكل هذا النظام عميقة ومعقدة ولهذه الاحزاب جرائم كثيرة في ومشاكل كبيرة فيما بينهم,
لم ينجح الطرفان في اقناع الاطراف الاخرى المصنفة سنيا او كرديا بالتحالف معهم وصلت المفاوضات الى طريق مسدود و وصلت جميع الاحزاب الى نهايتها, بعدها قرر بشكل مفاجئ التيار الصدري الانسحاب من الحكومة وترك المجال للاطار التنسيقي باستلام السلطة, لكن ما ان علن الاطار التنسيقي عن مرشحه لرئاسة الوزراء عاد مقتدى الصدر مجددا ليعلن ثورته الخاصة واقتحام البرلمان واعلان اعتصام مفتوح في داخل البرلمان لمنع تشكل اي حكومة بدون موافقته شخصيا عليها, نعم انها مهزلة لكننا نعيش هذه المهزلة منذ عام 2003 ولقد تطبعنا معها.
ان الخطر الكبير من محاولة الصدر تعطيل تشكيل الحكومة هو الحرب الاهلية, هذا الخطر الذي اصبح الان الحل الوحيد للمضي قدما بالنسبة للاحزاب الاسلامية, الاثنان يهددان بعضهما البعض باستمرار والاثنان يملكان السلاح والمال والدعم الدولي, فلم تعد الان الخيارات كثيرة دون تنازل احد الاطراف عن الحكم مقابل ضمانات بعدم التعرض لهم وهذا لن يحدث تماما نظرا لتاريخ هذه الاحزاب الدموي في العراق وتجاربهم السياسية السيئة مع بعضهم البعض وفقدان الثقة فيما بينهم.
ان الاحزاب الاسلامية المتمثلة بالتيار الصدري والاطار التنسيقي تتحد معا على ان لا يكون للشعب العراقي حل اخر امامه سوى القبول بالحل المقدم من التيار الصدري او الاطار التنسيقي فالاول يحاول استغلال الغضب الشعبي وخلق مظاهرات واعتصامات شعبية داخل المنظقة الخضراء لممارسة الضغط والثاني يحاول استخدام ورقة الشرعية القانونية والمليشيات والتهديدات.
نحن نرفض هذه الحلول جملة وتفصيلا فلن ننخدع بالصدر وحلوله الطائفية ولن نخضع لاطار التنسيقي وتهديداته, فلن نستطيع التخلص من النظام الطائفي في العراق بدون التخلص من اهم عناصرة السياسية وهم التيار الصدري او الاطار التنسيقي, نحن نرفض مقدما اي حكومة طائفية يشكلها هؤلاء, لقد اوضحت انتفاضة اكتوبر ان الاحزاب الاسلامية ليس لديها حلول اخرى ولا يهمها الدماء التي سوف تسيل من اجل بقائهم في السلطة, فلا شراكة ولا تصالح ولا تعاون ولا فرصة اخرى للمجرمين.
نحن ندعوا الشباب العراقي ان بان لا يكون وقود لهذه المعركة السياسية البحته التي تحدث الان بين التيار الصدري والاطار التنسيقي فهي ليست ثورة ولا انتفاضة ولا تمت للفقراء بصلة انها معركة حزبية من اجل السلطة فقط, بالرغم من ذالك علينا ان نقبل و نتفهم ولا نحكم على الشباب العراقي الغاضب الذي يجد فرصة في خضم هذه الفوضى للمشاركة والانتقام عن طريق اقتحام المنطقة الخضراء وتفريغ طاقته وغضبه على من سرقه وعذبه طيله هذه السنوات فهؤلاء الشباب لا يمثلون ولا يشاركون التيار الصدري بمشاريعه المتطرفة.
نحن ندعوا الى تشكيل حكومة مؤقته من القضاة والاكاديميين العراقيين المستقلين تأخذ على عاتقها اجراء انتخابات جديدة مبنية على قوانين انتخابية علمية عادلة تسمح بفرصه عادلة لجميع الاحزاب الجديدة المنافسة الانسانية فيما بينها للوصول الى السلطة,مثل حق الاعلان عن نفسهم وحق تمويل حملتهم الانتخابية, وتحديد الميزانيات المالية للحملات الانتخابية, و وضع برامج الكترونية لحماية نتائج الانتخابات من التزوير.
كما تقوم هذه الحكومة المؤقته تغيير هذا النظام الطائفي بشكل جذري الى نظام علماني يتبنى المواطنة وحقوق الانسان والمساواة الاقتصادية الاجتماعية كأساس في التشريعات الدستورية والقانونية وتوزيع الثروات, وتغيير الدستور الذي كتبه بول بريمر الى دستور يكتبه العراقيين من القضاة وخبراء القانون المستقلين من الجامعات العراقية ويكون قابل للتعديل والتصويت فيما بعد.
نحن ندعوا الى تطوير ودعم الاقتصاد المحلي الزراعي والصناعي من اجل خلق فرص عمل للشباب الذي لا يجد فرصة اخرى امامه سوى التطوع مع المليشيات, كما ندعوا الى حماية نهري دجلة والفرات من حطر السدود التركية والايرانية, وتقليل الاستيراد للطاقة والغذاء وغيرها تدريجيا.
نحن ندعوا الى سن قانون ايقاف العنف, الذي يساهم في حل جميع التشكيلات العسكرية التي تشكلت على اساس طائفي مقابل فرص عمل وتأهيل للشباب الذي امتلئت عقولهم بالافكار العنيفه, كما يساهم القانون بسحب سلاح العشائر, وسن تشريعات ضد العنف الاسري وضد قتل النساء وضد الخطاب الطائفي والعنصري الاعلامي, وضد العنف الاجتماعي, واخراج القوات العسكرية وقواعدهم الى خارج المدن, يجب ان يوفر القانون حماية للمظلومين والمتظررين اجتماعيا.
نحن ندعوا الى حماية حدود العراق من الاعتداءات الايرانية والتركية التي يذهب ضحيتها الشعب الكردي والشعب الايزيدي الذي يعاني من تاريخ مستمر من الاعتداءات على اراضيه وافراده ونضم اصواتنا الى اصواتهم باخراج جميع المسلحين من مدنهم.
نحن ندعوا الى القاء القبض على قادة المليشيات والارهابين ومن تعاون معهم وشارك في العمليات الاجرامية والارهابية وساهم بقتل المتظاهراين منذ 2003 الى الان, فلن تتحقق العدالة الانتقالية بدون محاسبة هؤلاء واعادة المهجرين قسرا الى منازلهم.
هذه المطالب هي حلول مؤقته من شأنها تهدئة الغضب الشعبي مؤقتا وتدفعنا الى اعطاء فرصة للمشاركة مع هذا النظام السياسي الجديد من اجل دفع عجلة الديمقراطية شيء فشيأ الى الامام لحين تحقيق الرفاه الاجتماعي والامان الاجتماعي والحرية والمساوة الاقتصادية السياسية والسيادة الانسانية.
كما نحمل نحن في عمال ضد الطائفية المسؤولية الكاملة الى مليشيات الاطار التنسيقي ومليشيات التيار الصدري في حال حدوث حرب اهلية تأخذ البلد الى عالم مظلم ومجهول نحن ضحيته الوحيدة وليس قادة الاحزاب والمليشيات.
عمال ضد الطائفية 31 تموز 2022